خلال العقود الثلاثة المقبلة سيكون باستطاعة العلماء الخوض في مجالات بالغة الحساسية بالنسبة للدماغ، بحيث يصبح باستطاعة الإنسان تعديل مزاجه على الصورة التي يريدها في أية لحظة من لحظات الليل أو النهار، ومثال على ذلك: سيكون باستطاعة العلماء مثلا إجراء عمليات مسح للدماغ لمعرفة الأجزاء التي تنشط عند ممارسة نشاط معين، كالاستماع إلى الموسيقى، أو مشاهدة فيلم سينمائي، أو زيارة معرض فني، أو حتى زيارة حديقة عامة، وسيتمكنون من تنشيط هذه الأجزاء عند الحاجة، وهكذا فإنه إذا أراد الإنسان حضور أمسية موسيقية مثلا، فإنه يستطيع تنشيط الأجزاء التي تتأثر بالموسيقى في دماغه لمدة ليلة واحدة، وبذلك يستمتع بأمسيته على الوجه الأكمل، وإذا كان يرغب في الذهاب إلى حديقة عامة مع زوجته وأولاده، وكانت الزوجة من النوع النكد الذي يعكر المزاج، فإنه يستطيع تنشيط مناطق معينة من دماغه لتصبح النزهة مليئة باللحظات السعيدة، أما إذا كان يرغب في حضور اجتماع لمجلس إدارة الشركة التي يعمل بها، ويهمه أن يكون دماغه في حالة يقظة كاملة، ويستوعب الأرقام والإحصاءات والمعادلات التي تطرح أمامه، فإنه يستطيع تنشيط المنطقة الرقمية في الدماغ لكي يتحقق له ذلك.
و«عبث» العلماء بالدماغ خلال العقود المقبلة لن يتوقف عند حد، إذ سيكون في مقدورهم اختبار تأثير هذه العقاقير أو تلك على النبضات الكهربية التي يطلقها الدماغ، واكتشاف عقاقير، أو توليد نبضات، تعطي الإنسان إحساسا زائفا بالسعادة أو الثقة بالنفس، وهذه العقاقير لن تكون من عائلة المشروبات الكحولية أو المخدرة، وذلك لأنها لن تؤدي إلى الإدمان، ولن تكون لها أية تأثيرات جانبية.
بل إن العلماء يتحدثون منذ الآن عن عقاقير خاصة ببعض الصفات الأخلاقية، كالصدق، والفضيلة، والكرم، تدفع الإنسان إلى التصرف بهذه الصفات حتى لو لم تكن موجودة فيه، وهكذا فإن الزوجة التي ترغب في استجواب زوجها عن المكان الذي أمضى فيه سهرة الأمس مثلا، لن تجد نفسها مضطرة إلى الدخول في تحقيق طويل معه، وإنما ستطلب منه ابتلاع حبة للصدق أولا، ثم تطرح عليه السؤال، ليجيب بكل صراحة ومن دون لف أو دوران، وإذا كانت ترغب في شراء فستان جديد فإنها ستطلب منه ابتلاع حبة الكرم، ثم تعرب له عن رغبتها ليحقق لها هذه الرغبة على الفور. ويقول العلماء: إن العاملين في الصيدليات في المستقبل لن يشعروا بالدهشة إذا دخل عليهم زبون وطلب حبوبا لزيادة الثقة بالنفس، أو شرابا ليصبح أكثر التزاما بالمواعيد التي يعطيها للآخرين.
وخلال العقود القليلة المقبلة سيكون باستطاعة العلماء إجراء عمليات مسح للدماغ لمعرفة التأثيرات الكيماوية التي تحدث فيه وتجعل الإنسان عرضة للقيام بهذا التصرف أو ذاك، وهكذا فإن المرشحين في الانتخابات العامة لن يقدموا للناخبين برامجهم السياسية فقط، وإنما سيشفعونها بتقارير طبية حصلوا عليها بعد إجراء عمليات مسح لأدمغتهم تثبت أنه ليس لديهم قابلية للسرقة أو خيانة الثقة، وأنهم لن يستغلوا مراكزهم لتحقيق مكاسب شخصية لهم أو لمحاسيبهم إذا فازوا، وأن أخلاقهم ضمن حدود المعقول، ومن لا يقدم تقارير من هذا النوع فإنه سيخسر الناخبين. ويقول العلماء: إن هذه التطورات ستساهم في إنقاذ البشرية من الكوارث التي يمكن أن يسببها وصول هتلر جديد إلى الحكم، ولكن الناس العاديين يشكون في ذلك، إذ أن ذلك يعني نزع الأهلية عن أي مرشح يفكر في ترشيح نفسه لوظيفة عامة حتى قبل التفكير بالترشيح، اللهم إلا إذا وفرت له المؤسسة التي تدعمه تقارير مزورة تثبت أهليته.
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
No comments:
Post a Comment