Tuesday, November 15, 2011

سعادة باب أول - صالح الخريبي


هذا تعريف طريف للسعادة قرأته في كتاب: « كيف تحقق مزيدا من السعادة في حياتك؟»، للدكتورة زوينا هارينجتون. والتعريف هو: السعادة هي تحقيق التوازن في ستة قطاعات مهمة من حياتك هي: القطاعات الصحية والفكرية والاجتماعية والمالية والروحية والعائلية.. وتقول الدكتورة زوينا لقرائها إنهم إذا حققوا التوازن بين هذه القطاعات فإنهم يحققون السعادة، وإذا لم يفعلوا فإنهم سيظلون ككرة اليويو في يد الطفل، يتأرجحون صعودا وهبوطا بين السعادة ونقيضها.

والكتاب وهو من نوع الكتب التي تكتبها تلك الفئة من الناس التي تضع حرف دال قبل اسمها في الدول العربية، وتضع حرف دال كبيرة وبعدها راء صغيرة في الدول الغربية، يقول أشياء كثيرة، ولا يقول شيئا. ولي عدة تجارب غير مشجعة في قراءة هذا النوع من الكتب، ومن ذلك كتاب (كيف تصبح مليونيرا؟) الذي قرأته، ونفذت كل ما جاء فيه بالحرف الواحد قبل ما يزيد على ثلاثين سنة، ومع ذلك فإنني ما زلت (مديونيرا) وكتاب (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟) الذي أدى تطبيق النصائح الواردة فيه إلى هروب كل الأصدقاء من وجهي لأنني أثرت ولكن سلبيا فيهم، فالكتاب يقول: إن الوسيلة الوحيدة لاكتساب الأصدقاء هي أن تكون صادقا ومخلصا معهم، ولكن من يقبل أن تكون (صادقا) معه هذه الأيام؟ وهل يقبل شاعر حديث يعتبر نفسه ثروة قومية تعادل حقلاً كاملاً للنفط أن تقول له إن كلامه مجرد هذيان؟ وإن تي. إس. إليوت الذي يعتبره هو مثلا أعلى له كان يقصده عندما تحدث عن الأشخاص المحشوين بالقش في قصيدته «الأرض الخراب»؟

وفي كتاب (كيف تحقق مزيدا من السعادة في حياتك؟) نفهم من فتح الفتوح الذي هبط على الدكتورة زوينا، وشاءت هي أن تنقله إلينا لكي ينتفع بنو البشر بعلمها أن السعادة هي: أن تكون خاليا من الأمراض وجيبك عامرا بالمال، وعلاقاتك الاجتماعية والعائلية موفقة، وذهنك خالياً من المشكلات، وضميرك مرتاحاً، والكل يثنى عليك ولا يذكرك إلا بالخير.

وتحذرنا الدكتورة لا فض فوها، من أن الاختلال في أي قطاع من القطاعات التي ذكرتها كشروط للسعادة، يؤدي إلى التعاسة، فاعتلال الصحة يفقد الحياة طعمها، والطفر يعمي البصر، بل إنه يبعد الناس عنك، ويؤدي إلى فساد علاقتك الزوجية، والمثل يقول: «إذا دخل الفقر من الباب، هرب الحب من الشباك». فالزوجة تحب زوجها بجيب مملوء بالمال، وكذلك الناس، ونظافة الجيب تؤدي إلى توتر العلاقات داخل المنزل وخارجه، والتوتر في أي شيء من حولنا، وإذا كان الذهن مستودعا للمشكلات، أو كان الضمير غير مرتاح، فإن السعادة تغيب عن الحياة وتتحول إلى سراب نجري خلفه من دون أن نصل إليه.

كلام جميل ومعقول يا دكتورة زوينا، ولكن من هو ذلك العبقري الذي يستطيع تحقيق كل الأشياء التي تطلبينها؟ ومن هو الذي يحصل على المال، والصحة، والثقافة، وراحة البال، والعلاقات الاجتماعية والعائلية الموفقة؟ الجواب: لا أحد.. وبكلمة أخرى، ليس هنالك أي إنسان سعيد على وجه الكرة الأرضية، بالمفهوم الذي وضعته الدكتورة، ولن يكون. والغريب أن الوصفات التي أدرجتها الدكتورة لتحقيق التوازن هي وصفات مضمونة لفتح الباب واسعا أمام القلق والهواجس لكي يدخلا إلى حياتنا. ففي الفصل الخاص بتحقيق التوازن المالي تقول الدكتورة: «توقف عن التفكير بتحسين أوضاعك المالية، وضع جدولا يوميا للإنفاق، وتقيد به، وناقش الخبراء في الوسائل التي تساعدك على زيادة مدخراتك». وفي وصفتها للتوازن الصحي تقول: «حقق اللياقة البدنية، وتوقف عن تناول الأطعمة الدسمة والحلويات على الفور، ومارس رياضة المشي لمدة 30 دقيقة يوميا» وفي الفصل الخاص بتحقيق التوازن الذهني تنصحنا بطرد القلق، والقراءة لمدة ربع ساعة (ربما هنالك حكمة من تحديد الوقت بهذه الطريقة) وبأن نفتح عقولنا جيدا، فالعقل كمظلة النجاة التي يستخدمها الطيارون، إن لم تفتحه لا يشتغل.

ويبدو أن عقل الدكتورة هو الوحيد الذي لم يكن يشتغل، عندما كتبت كتابها عن السعادة.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment