أمريكا غابة من أشجار الجميز، فمعدل السمنة فيها أعلى من مثيله في المجتمعات الغربية الأخرى، وربما لا مثيل له في العالم إلا بين عجائز المكتب السياسي السوفييتي قبل انهيار الإمبراطورية السوفييتية وغياب نجومها الحمراء عن الآفاق، فقد كان هؤلاء يعيشون حياة الأباطرة ويأكلون الكافيار الفاخر، بينما شعوبهم تأكل نظريات ماركس ولينين.
وأمريكا بلد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولديها فائض كبير من هذه القيم التي تطمح إليها المجتمعات الإنسانية بأسرها، قررت تصديره إلى الخارج، وها هي ترسل حاملات طائراتها ورجال المارينز إلى العراق وأفغانستان لنقل الحرية والديمقراطية إليهما، ولدى أمريكا قائمة بـ «التمييزات المحرمة» من بينها أنه لا يجوز التفريق بين الناس واضطهادهم على أساس الدين، ولكنها تتغاضى عن التفريق والاضطهاد عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، ولا يجوز التفريق على أساس اللون، وإن كان المجال يسمح بشيء من التجاوز إذا كانت القضية تتعلق بمواطنيها من الزنوج ذوي الأصول الأفريقية، أو «بالهسبانيكس» الذين وفدوا إليها من المكسيك ودول أمريكا الوسطى والجنوبية، وقائمة التمييزات المحرمة تمتد لتشمل منع التمييز ضد التفضيل الجنسي والسماح للمثليين من الرجال والنساء بممارسة حياتهم الاجتماعية بالشكل الذي يرونه مناسبا، كأي مواطن آخر، فهذا حقهم الطبيعي، والشذوذ قضية خاصة.
وقبل مدة أضافت بعض الولايات الأمريكية إلى قائمة التمييزات المحرمة منع التمييز ضد الشقراوات، بحيث بات إطلاق نكتة تمس الشقراوات ولو من بعيد عملا مخالفا للقانون يستوجب الغرامة والحبس، كما أضافت بلدية سان فرانسيسكو إلى القائمة التمييز ضد البدناء، وبات تحويل البدانة إلى موضوع للتنكيت عملاً مخالفاً للقانون.
وحملة منع التمييز ضد البدناء بدأت بملصق دعائي عرضته إحدى صالات الألعاب الرياضية بهدف الترويج لنشاطاتها، والملصق يقول: «إن الكائنات الفضائية تستعد لغزو الأرض، وسوف تلتهم البدناء أولاً». وقد رد البدناء على هذا الملصق بتنظيم مظاهرة أمام صالة الألعاب شارك بها الآلاف، رقصوا خلالها في الشوارع لإظهار خفة حركتهم، ورفعوا شعارات يردون فيها على الشعار الذي عرضته الصالة.
وحاول توم أميانو، رئيس مجلس المراقبين في المدينة استغلال هذه المناسبة فطلب من المدعي العام كارول كالوم، ولجنة حقوق الإنسان، النظر في إضافة البدانة إلى الفئات الاجتماعية التي يُحظر التمييز ضدها، وتمت الموافقة على طلبه، وبررت كارول الموافقة بالقول: «إن الأطفال البدناء يحرمون من العديد من النشاطات الرياضية، مثل لعبة الكرة الطائرة، وقد حان الوقت لكي نجعل التمييز ضدهم أمرا مخالفا للقانون»
ولا أحد يعترض على حظر التمييز ضد أي إنسان، سواء أكان بدينا أو غير بدين، ولكن: أليس ضمان حريات المواطنين الأمريكيين الأساسية وحظر اعتقال أحد وزجه في السجن من دون إذن من المحكمة، لمجرد معارضتهم للنظام، أجدى بكثير من منع النكات ضد الشقراوات أو البدناء؟ وهل إطلاق نكتة ضد شخص بدين أكثر خطورة من التصنت على اتصالات المواطنين وبريدهم ومراقبتهم على مدار الساعة؟ وحتى لو كان البدناء أغلبية، فإن التنكيت عليهم لا يمكن أن يقفز إلى سلم أولويات النظام، ولا يمكن أن يكون في حجم انتهاك حريات المواطن الأساسية.
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
No comments:
Post a Comment