Monday, November 14, 2011

غربة. - صالح الخريبي


شخصية حسني البورزان في مسرحية «غربة» أصبحت نموذجاً للشاب العربي، سواء أكان عدنانياً أم قحطانياً، ومن العرب البائدة أم العاربة أم المستعربة، لا فرق. وحسني البورزان، في المسرحية، يحلم بالسفر إلى البرازيل، ويحمل حقيبة السفر معه إلى كل مكان يذهب إليه، وفي المقهى يمضي وقته يكتب الرسائل التي سيرسلها إلى أقاربه وأصدقائه في وطنه بعد وصوله إلى البرازيل، ويسجل الهدايا التي سيرسلها إليهم، وكلما مرت طائرة في الأفق يتصور أنها ستهبط في مقهى القرية وتحمله على متنها إلى البرازيل.

وكل شاب عربي يحلم بالهجرة، وطموحه هو الحصول على الـ «جرين كارد» أو أية تأشيرة من دولة أوروبية، ولو فتحت السفارات الأجنبية في الدول العربية أبوابها أمام الشباب للهجرة، لما بقي عندنا إلا الأطفال والعجائز. والشاب العربي على استعداد للسفر والعمل في تنظيف وجلي الصحون في المطاعم والفنادق الغربية على البقاء في وطنه، ولا معنى لأن نتساءل: لماذا يوافق العربي على ممارسة ما اصطلح على تسميته في الغرب «مهن وضيعة»، سواء أكان مهندساً أم محاسباً أم خريجاً جامعياً في أي فرع من الفروع، ويرفض ممارسة العمل ذاته في وطنه؟ فالجواب معروف وهو: إنه يستطيع بعد انتهاء عمله، السير في الشارع وممارسة حريته وحتى عروبته كما يريد، بينما هو في وطنه لا يستطيع ذلك.

وحكاية المواطن العربي تذكرني بحكاية ذلك الرجل الذي أراد أن يفصّل بذلة لدى خياط سمع أنه ماهر، وجاء حديثاً من الغرب ليفيد أبناء وطنه بمهارته، فقد دخل الرجل إلى محل الخياط وهو يحمل قطعة القماش، وأعرب له عن رغبته في تفصيل بذلة، فنظر الخياط إليه من الشمال إلى اليمين، ومن اليمين إلى الشمال، ومن فوق إلى تحت، ومن تحت إلى فوق، وأخذ قطعة القماش منه وقال له: «ارجع بعد العصر وستكون بذلتك جاهزة» واستغرب الرجل، وقال له: «ولكنك لم تأخذ مقاسي» فقلب الخياط شفتيه وقال له: «يا ابني، الخياط الغشيم هو الذي يأخذ المقاسات، أما أنا، فقد تدربت في الغرب، ولست بحاجة إلى أخذ مقاسات، يكفي أن أنظر إليك، وقد فعلت، لكي أعرف مقاسك بدقة، وأكرر، ارجع بعد العصر وستجد بذلتك جاهزة»، ثم أشار بإصبعه إلى رأسه، وكأنما ليثبت للرجل أن له رأساً، وقال له: «هنا دماغ، وليس بطيخة».

وبعد العصر، عاد الرجل ليجد البذلة جاهزة بالفعل، وقاسها، وقال: «رجل البنطلون اليمنى أطول من اليسرى»، فقال له الخياط: «بسيطة، إحن اليمنى قليلاً، وأرجع اليسرى إلى الوراء، وكأنك تستعد للركض»، ففعل الرجل، وتأمل الخياط البذلة وقال له: «أرأيت؟ لقد اختفى ما كنت تظنه عيباً» ونظر الرجل ثانية إلى البذلة وقال له: «كمّ الجاكيت اليسرى أطول من اليمنى»، فقال الخياط: «هذه ليست مشكلة، إحن يدك اليمنى قليلاً، وضع اليسرى وراء ظهرك» ففعل الرجل، ولكنه لاحظ أيضاً أن أزرار الجاكيت في غير موضعها، فقال له الخياط: «إحن صدرك إلى أسفل»، ففعل الرجل، وتأمل الخياط البذلة وقال له: «تمام، كل شيء تمام، ولكن عليك أن تسير في الشارع وأنت تحني رجلاً وتقدم الأخرى، وتحني يداً وتضع الأخرى خلف ظهرك، وتدفع صدرك إلى الأمام».

سار الرجل في الشارع كما طلب منه الخياط، بينما الناس ينظرون إليه ويتهامسون، وبعضهم يقول: «مسكين هذا الرجل، إنه يعاني أكثر من إعاقة»، والبعض الآخر يقول: «يا لبراعة الخياط، لقد فصل له بذلة تناسب مقاسه، بينما هو يعاني من عدة إعاقات».

والمواطن العربي ليس معاقاً، ولكن البذلة التي فصلت له جعلته يبدو أمام الناس كذلك.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment