Tuesday, November 15, 2011

أجنة ملوثة - صالح الخريبي


لم نعد ننتظر الطفل حتى يأتي إلى هذه الدنيا لكي نضخ الملوثات الكيماوية والسموم إلى جسمه الغض، فقد أصبحنا نتعهد بذلك قبل ولادته، عندما يكون جنيناً في رحم أمه، فقد كشفت دراسة أجراها عدد من كبار العلماء في العالم أن جسم الطفل حديث الولادة يحتوي على ما يعادل 287 مادة كيماوية سامة التقطها من جسم أمه، وبعض هذه المواد تحدث خللاً في الجهاز العصبي، أو تؤثر في نمو الدماغ، وبعضها يؤثر في جهاز المناعة أو الإخصاب، أو يسبب بعض الأمراض الخبيثة مثل السرطان وأمراض الدم، أو يلحق أضراراً بالكبد والرئتين.

وحتى الأمس القريب، كان العلماء يعتقدون أن المشيمة التي تغلف جسم الطفل تحفظه وتحفظ الحبل السري الذي ينقل إليه الغذاء من أمه من كل الملوثات البيئية والكيماوية، ولكن الدراسة كشفت أنه في الفترة الحرجة التي يتحول فيها الجنين من نطفة إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى كائن مكتمل النمو، تخترق جدار المشيمة مئات السموم والمواد الكيماوية التي تلتقطها الأم من البيئة أو من الأغذية التي تدخل في صنعها مواد كيماوية، أو من التدخين، وتصل إلى الجنين في الفترة التي يكون فيها قيد التكوين.

وتعرُّض الجنين للسموم والمواد الكيماوية أكثر خطورة من تعرض الكبار بكثير، لأن نظام المناعة في جسمه غير مكتمل، وأنظمة إزالة السموم والملوثات غير مكتملة أيضاً، ولذلك فإن الملوثات والسموم تصل إلى الأعضاء المستهدفة في جسمه وتحدث تأثيرها بحرية، من دون أن يتصدى لها جهاز المناعة بكفاءة، يضاف إلى ذلك أن نمو أعضاء الجنين داخل الرحم أسرع بكثير من نموها بعد الولادة، ولذلك فإنها تكون أكثر عرضة للتأثر لدى تعريضها لمواد كيماوية وسموم.

ويعيب كبار السن على الجيل الجديد هشاشته، وعدم لياقته الصحية، قياساً إلى الجيل القديم الذي كان أكثر صلابة، وأكثر قدرة على تحمل المصاعب، رغم التطور الذي حدث في القطاع الصحي خلال العقود الماضية، ولعل السبب في ذلك هو أن جداتنا لم يكن يستعملن ملطفات الجو، وكانت أجواء غرف منازلهن خالية من الملوثات الكيماوية، ولم يكن يدخِنَّ أو يستعملن قاتل الحشرات الذي يملأ الغرف «بالدي دي تي» المحظور عالميا، ولم يكنّ يحفظن الطعام في ثلاجات تضخ الغازات الكيماوية، أو يتعرضن لما تنفثه عوادم السيارات في الجو أثناء سيرهن في الشارع. لقد كن يعشن حياة صحية، وينجبن أطفالاً أصحاء الأجسام.

والتلوث هو الهدية التي تقدمها الصناعات الحديثة لأطفال العالم، حتى قبل وصولهم إلى هذه الدنيا التي عندما يتعذر خروج الجنين إليها تجري الاستعانة بعملية قيصرية لإخراجه، فإذا فقد حياته أثناء العملية، يكون قد ارتاح، وإذا عاش فإنه يشهد في مستقبله الآتي عمليات هي الأخرى تسمى قيصرية.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment