Monday, November 14, 2011

شهرزاد وشهريار - صالح الخريبي


في قصة الكاتب الأمريكي إدغار ألان بو «الليلة الثانية بعد الألف» يشعر شهريار أن القصص التي كانت شهرزاد ترويها له هي بمثابة حقن مخدرة ينتهي مفعولها بعد انتهائها بقليل، وأن هذه الفتاة الماكرة غشته عندما حاولت إقناعه بأن هنالك متعة اسمها «متعة العقل» هي أفضل بكثير من متعة الحب المتجددة التي كان يعيشها شهريار كل ليلة مع جميلة من الجميلات في مملكته، وفي الليلة الثانية بعد الألف يعود السأم والملل إلى شهريار، فيقرر قطع رأس شهرزاد.

وفي قصة كتبها القاص الفرنسي المستشرق جونييه، يتصور أن شهرزاد زارته في غرفته وطلبت إسعافها بقصة جديدة، لأن شهريار لم يكتف بالقصص التي روتها له، وقد خيرها بين الاستمرار في رواية القصص أو الموت، وحيث إن خيالها الخصب لم يعد يسعفها، فقد لجأت تحت جنح الظلام إلى جونييه تلتمس العون.

وفي قصة هنري دي رينييه «رحلة الحب» يتخيل الكاتب أن شهرزاد غافلت شهريار في الليلة الثانية بعد الألف، وتمكنت منه، وأغمدت خنجرا في صدره، وتركته يسبح في بركة من الدماء، وتفردت هي بالحكم، وبعد فترة من الممارسة يصيبها الملل، كما أصاب شهريار من قبل، فتطلب رواة يسلونها، كما كانت هي تسليه بخيالها الجامح، وهكذا فإنها تجلس على الكرسي في الديوان تستمع إلى الرواة، وكل من يروي لها قصة تستحوذ على إعجابها تكافئه، وكل من يفشل في ذلك تقطع أذنه. ويدخل الكثيرون إلى ديوان شهرزاد ويخرجون والدماء تسيل من آذانهم، إلى أن يأتي إليها غريب من قافلة بعيدة فيلهب خيالها بخياله الجامح، وينتقل بها إلى عوالم لم تألفها من قبل، فتقع في هواه، وتتزوجه، تماما كما وقع شهريار في هواها هي وتزوجها.

وأذكر أن غادة السمان سئلت ذات يوم: «كيف تنظرين إلى شهرزاد؟» فقالت: «كان يا ما كان هنالك رجل يفكر بجسده، التقى ذات يوم بامرأة اسمها شهرزاد علمته كيف يفكر بعقله، وكم أتمنى (تقول غادة) أن أعيد كتابة الف ليلة وليلة من هذا المنظور. والفكرة الرئيسية في قصة شهرزاد هي التجديد، فقد كان شهريار يحارب الملل بالحب المتجدد، وجاءت شهرزاد لتطرد عنه الملل بالفكر المتجدد.. ولكن الفكر عندما يتوقف يفتح الأبواب مشرعة للملل، تماما كما الماء، إذا ركد يصبح مرتعا لميكروبات لم تكن موجودة فيه»..

وسنة الحياة هي الحركة، والجمود هو الموت: هو قطع الرأس عند شهريار في ألف ليلة وليلة، وقطعه في بلاط شهرزاد في الليلة الثانية بعد الألف.. والحياة الصحية السليمة تقوم على التوازن بين هذين الجانبين، ومتعة العقل قد لا تكون كافية، والمتعة المادية قد لا تكون كذلك أيضاً.

وشهريار من دون شهرزاد، مجرد وحش بشري.


Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment