كثيرة هي «المسلّمات» التي نعتبرها نحن «حقائق ثابتة»، بينما هي في الواقع «مجرد أكاذيب»، ربما تزيد ضلالاً على القول بأن الأرض هي محور الكون، وأن الشمس وباقي الكواكب تدور حولها، ومن هذه المسلّمات التي نرفض نحن حتى مجرد التفكير بها، أن الجبنة هي الطعام المفضل لدى الفئران، ولذلك نحرص على وضعها لها في المصيدة، وأن النعامة تدفن رأسها في الرمال لتتخفى من الصياد، فهي تظن أنه لا يراها عندما تفعل ذلك، إلى آخر ما هنالك من مسلمات أثبت العلم خطأها وجنوحنا عن الصواب إذا آمنا بها.
والفأر لا يرفض إذا قدمت له قطعة من الجبن، فهو جوعان، والجوع كما يقولون كافر، وقد بحث في منزلك فلم يجد أمامه ما يأكله، لذلك فإنه يغامر بحياته من أجل الوصول إلى قطعة الجبن التي تضعها له في المصيدة، ولكن العلماء في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا أثبتوا أن الفأر كان يفضل لو قدمت له قطعة من الشوكولا، أو الجاتو، أو البقلاوة، أو أي شيء غني بالسكريات، بدلا من الجبن. والأفعى تصدر فحيحاً أثناء زحفها، ونحن نعتقد أن فحيحها مجرد إنذار للإنسان، أو حتى للحيوان، بأن هنالك أفعى على مقربة منه، وينبغي عليه أن يهرب إن شاء النجاة بنفسه، ففرصة الهرب لا تزال ميسرة أمامه، ولكن التجارب أثبتت أن الأفعى لا تهاجم إلا إذا أحست بخطر، وعندما تهاجم لا تصدر صوتاً على الإطلاق، وتفعل ذلك بصمت.
والمواء ليس «لغة» القطط، كما نعتقد، والعواء ليس لغة الكلاب، والقطط والكلاب لا تستخدم المواء والعواء للاتصال ببعضها بعضاً، وإنما للاتصال بنا وإشعارنا بما تريد، وعندما تتصل ببعضها تستخدم لغة لا يسمعها البشر، كما تفعل أنت عندما تريد أن تسرّ لصديقك شيئاً.
والحمار ليس أغبى الحيوانات، بل نحن الأغبياء إذا قلنا ذلك، فالحمار قادر على التعرف إلى صاحبه وإلى الكلب الذي يحرس المنزل، بل إنه أكثر ذكاء من الدلفين الذي نعتقد أنه أذكى الكائنات البحرية، فقد أثبت العلماء في جنوب إفريقيا أن الجزء الأكبر من جسم الدلفين يتألف من خلايا مسؤولة عن ضبط درجة حرارة جسمه، وليس من أعصاب مسؤولة عن نقل المعلومات.
ونحن نعتقد أن النعامة تدفن رأسها بالرمال إذا أحست بالخطر، ونعتبر ذلك غباء، وعندما نريد أن نصف إنساناً بقلة العقل نقول إن عقله أصغر من عقل النعامة، وعندما نصفه بالجبن وقلة الحيلة نقول إنه كالنعامة، يدفن رأسه بالرمال، ولكن النعامة لا تدفن رأسها بالرمال على الإطلاق، وعندما تحس بالخطر تلجأ إلى عشها وتمد رأسها لكي توهم الذي ينوي الاعتداء عليها بأنها شجرة أو كائن يمكن أن يشكل خطرا عليه، والمناسبة الوحيدة التي تحني رأسها فيها وتقربه من الرمل هي عندما تريد أن تلتقط نوعاً معيناً من الحصى الصغيرة التي تساعدها على عملية هضم الطعام الذي تأكله، ويراها الناس تفعل ذلك من بعيد فيظنون أنها تدفن رأسها في الرمال. أشياء صغيرة، ولكنها تكشف كم نحن بعيدون عن الحقيقة؟
Sent from my iPad 2 - Ť€©ћ№©¶@τ
No comments:
Post a Comment