Tuesday, November 15, 2011

إبادات جماعية - صالح الخريبي


حتى الآن، لا تزال أوروبا تعاني من الطاعون الأسود الذي حصد ما يزيد على ربع سكانها في القرن التاسع عشر. والمؤرخون الذين تحدثوا عن المآسي الإنسانية التي خلفتها موجات الطاعون الثلاث وجدوا أنفسهم مضطرين إلى اللجوء إلى لغة تشبه لغة الشعر، فهم يصفون مثلا: «جثة طفل ملقاة في الشارع من دون حراك، يمر بها الأب فلا يجرؤ على لمسها خشية العدوى»، و«حيث الابن يتخلى عن الأب ولا يقترب منه إذا شعر أن الطاعون بدأ يفتك به» وإذا كان ديجول قد قال قبل وفاته: «إن فرنسا لا تزال تعاني من الثورة الفرنسية حتى الآن». لأن هذه الثورة حصدت خيرة شبابها وكبار مفكريها، فإن أوروبا ستظل تعاني من مرض الطاعون الأسود إلى الأبد.

والدول الغربية تدرك أن الجراثيم أكثر فاعلية في القضاء على الأمم من الحروب، فكل الحروب التي خاضتها البشرية خلال القرن الماضي الذي تميز بأنه قرن الحروب والثورات لم تحصد سوى 33 مليون شخص، بينما الأمراض حصدت ثمانية أضعاف هذا العدد.

والأوبئة على ما يبدو، عادت من جديد، ولكن اللافت للنظر هو أنها تستهدف إفريقيا ودول العالم الثالث بشكل رئيسي هذه المرة، بينما الأوساط الصحية في العالم تتفرج. وفي بعض الدول الإفريقية تزيد نسبة الإصابة بالإيدز حاليا على ٪75 من السكان، وبعض الأفارقة يحملون المرض من دون أن تظهر عليهم أعراضه، وبعضهم ظهرت عليهم الأعراض، وبعضهم حياتهم مهددة في أية لحظة، وقبل مدة أعلن المسؤولون في منظمة الصحة العالمية أن هنالك موجة من الأمراض الجديدة تجتاح إفريقيا لا يستطيع الأطباء تحديد ماهيتها أو علاجها، ومن هذه الأمراض الإيدز، وإيبولا. كما يقولون: «إن الأمراض السارية التي كانت تفتك بالناس في الماضي عادت من جديد بشكل أكثر شراسة لأنها حصنت نفسها ضد اللقاحات»، وإذا سألت الأطباء فإنهم يفسرون الأمر علميا لك، ويقولون: «إن الأمصال التي نستخدمها لم تعد واقية، لأن الجراثيم اكتشفت آلية للتعامل معها وبدأت تخلق طفيليات تقاوم العقاقير». وتقول مجلة الرابطة الطبية الأمريكية: «إن معدل الوفيات بالأمراض السارية التي كنا نظن أنه جرى القضاء عليها نهائيا ارتفع بنسبة ٪58 خلال الفترة الواقعة بين عامي 1980 و1992» وكانت حصة إفريقيا من هذه الزيادة هي الأكبر بشكل مطلق.

ونحن نعرف أن المرض كالقدر، قد يضرب أية منطقة في أية لحظة، ولكن لماذا هذا التركيز الجرثومي على إفريقيا، الذي يذكرنا ببلاء آخر ابتليت به بعض الدول الآسيوية هو الحروب؟

لقد كشفت التكنولوجيا أن كل مرض لا يستطيع الأطباء تشخيصه، مثل الإيبولا والإيدز، هو في الأرجح من إنتاج المختبرات والمعامل وخبراء هندسة الجينات، فهل نعتبر أمراض إفريقيا من هذا النوع؟ لقد قدم هنري كيسنجر عام 1969 دراسة إلى الكونجرس قال فيها: «إن الزيادة السكانية في دول العالم الثالث خطر على أمن الولايات المتحدة، وإذا لم تتكفل الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والزلازل والأعاصير، أو التكنولوجيا، مثل وسائل تنظيم النسل، في الحد من هذه الزيادة، ينبغي أن تسعى أمريكا إلى وسائل فاعلة للحد منها مثل الأمراض والحروب» فهل هذه الدراسة هي الاستراتيجية التي تعتمدها أمريكا في تعاملها مع دول العالم الثالث؟ وهل الحروب التي ترافقها مجازر تقشعر لها الأبدان في عدة أمكنة جزء من هذه الاستراتيجية التي تستهدف فرض هيمنة العرق الأبيض؟ أرجو ألا يكون ذلك هو الحقيقة.



Sent from my iPad 2 -  Ť€©ћ№©¶@τ

No comments:

Post a Comment