الشمبانزي الموجود في حديقة الحيوان في كينيا لا يختلف في شيء عن زميله الموجود في حديقة الحيوان في نيويورك، والاثنان لا يختلفان عن شمبانزي آخر موجود في حديقة حيوان في تنزانيا أو برلين أو السويد، أو في الأدغال الآسيوية. هكذا نتصور، بل ربما كانت هذه هي الحقيقة، ولكن البروفيسور الأمريكي جون ماهاني، من جامعة ميتشيجان يؤكد أن الفوارق بين الشمبانزي الأول والثاني والثالث والرابع هي الفوارق نفسها بين المواطن الكيني والأمريكي والتنزاني والألماني والسويدي، بمعنى: أن كل شمبانزي «يتكلم لغة» تختلف عن اللغة التي «يتكلم» بها الشمبانزي الآخر، والصرخة التي يطلقها الشمبانزي الصيني من أجل الاتصال برفاقه وإشعارهم بوجوده تختلف عن الصرخة التي يطلقها الشمبانزي الأمريكي.
وذات يوم، تحدث عالم بريطاني عن التغير الذي حدث في لهجة طيور بلاده، ونشرت الصنداي تايمز مقاله تحت عنوان «هل نسيت الطيور التغريد؟». والطيور لم تنس التغريد، كما يقول العالم البريطاني، ولكنه يؤكد أن إيقاعات تغريدها اختلفت بسبب البلبلة التي حدثت في أذهانها من سماع رنات الموبايل وأبواق السيارات، ولم تعد هذه الطيور تقلد بعضها البعض وتغرد «تغريد الفطرة» وإنما باتت تطلق أصواتا مشروخة في محاولة لتقليد رنات الموبايل وأبواق السيارات.
وفي التجارب التي أجراها البروفيسور ماهاني ومساعدوه، قام بتحليل أشرطة تسجيل لأصوات عشرات الشمبانزي من دول مختلفة: ابتداء من جبال ماهاي في تنزانيا، إلى جومبي، إلى الغابات الهندية والصينية في آسيا، إلى حدائق السفاري في الدانمرك والسويد والولايات المتحدة، وكشف التسجيل وجود اختلافات كبيرة بين كل فئة من الشمبانزي: في نبرة الصوت، وشدته، وتواتره، وعلى سبيل المثال فإن الشمبانزي التانزاني «يتحدث» بطريقة أسرع من غيره، وبصوت أعلى، وبذبذبات صوتية أعرض.
ويتألف الصوت الذي يطلقه الشمبانزي من أربعة مقاطع: الأول عبارة عن مقدمة خفيفة وناعمة، تتبعها سلسلة من الأصوات الأكثر علوا، وتصل ذروتها بما يشبه النداء الذي تتبعه استراحة قصيرة. وقد اكتشف العلماء أن كل فصيلة من فصائل الشمبانزي لها أسلوبها الخاص في النداء حسب المنطقة التي تعيش فيها.
وعندما يعيش الشمبانزي الذكر في عزلة عن بني جنسه، يظل يطلق النداء، رغم عدم وجود أي من بني جنسه من حوله، وهذا يعني أن النداء ليس استجابة لوضع، وإنما هو حاجة فطرية تدخل في التركيب الجيني، فهل نستنتج من ذلك أن الاختلاف في نبرة النداء وشدته سببه اختلاف في التركيب الجيني؟ أم أن القضية لا تعدو كونها تفاعلاً مع البيئة، كما يقول بعض العلماء الذين يرون أن الشمبانزي، كغيره من الكائنات الحية، يعيش وسط بيئة معينة، وقد نشأ على سماع نداءات وصرخات من بني جنسه حاول فيما بعد تقليدها؟
ولكن الأهم من ذلك هو أن اختلاف نوعية النداء من شمبانزي إلى آخر يساعد هذا الحيوان على التمييز بين العدو الصديق، وعندما يلتقي فوج شمبانزي مع «أولاد بلده» يفرح الجميع ويلعبون، وعندما يلتقي مع غرباء يدخل في عراك معهم قد يستمر حتى الموت. وهكذا فإن الشمبانزي الهندي يتعرف على أولاد بلده عن طريق الصوت، ويعتبرهم أصدقاء، أما إذا التقى مع شمبانزي صيني فإنه سرعان ما يكتشف أن نبرة صوته مختلفة ويدخل في عراك معه.
والاكتشاف طريف ولا شك، ولكننا نتمنى لو توفرت للعلماء تسجيلات سابقة، قبل قرن أو قرنين من الزمان مثلا، للمقارنة، وطالما للشمبانزي لغة خاصة به، فإن هذه اللغة تتطور مع الزمن ولا شك، والمقارنة هي التي تكشف ذلك.
No comments:
Post a Comment